الخميس، أغسطس 09، 2012

حُبّ الله هو الذي جعل علياً عليه الصلاة والسلام دائماً يقف مواقف الشجاعة ومواقف البطولة


حُبّ الله هو الذي جعل علياً عليه الصلاة والسلام دائماً يقف مواقف الشجاعة، مواقف البطولة، هذه الشجاعة, شجاعة علي, ليست شجاعة السّباع، ليست شجاعة الأسود، وإنما هي شجاعة الأيمان وحُبّ الله، لماذا؟ لأن هذه الشجاعة لم تكن فقط شجاعة البراز في ميدان الحرب، بل كانت أحياناً شجاعة الرفض، أحياناً شجاعة الصبر،
علي بن أبي طالب ضرب المثل الأعلى في شجاعة المبارزة في ميدان الحرب, شدّ حزامه وهو ناهز الستين من عمره الشريف وهجم على الخوارج وحده فقاتل أربعة آلاف إنسان، هذه قمة الشجاعة في ميدان المبارزة, لأن حُبّ الله أسكره, فلم يجعله يلتفت أن هؤلاء أربعة آلاف, وهو واحد.
وكان قمة الشجاعة في الصبر، في السكوت عن الحق، حينما فرض عليه الاسلام أن يصبر عن حقّه وهو في قمة شبابه، لم يكن في شيخوخته، كان في قمة شبابه، كانت حرارة الشباب ملء وجدانه، لكن الإسلام قال له اسكت، أصبر عن حقك حفاظاً على بيضة الدين، ما دام هؤلاء يتحمّلون حفظ الشعائر الظاهرية للإسلام وللدين, سكت ما دام هؤلاء كانوا يتحفظون على الظواهر والشعائر الظاهرية للإسلام والدين، وكان هذا قمة الشجاعة في الصبر أيضاً, هذه ليست شجاعة الأسود، هذه شجاعة المؤمن الذي أسكره حُبّ الله
وكان قمة الشجاعة في الرفض، وفي الإباء, حينما طرح عليه ذلك الرجل أن يبايعه على شروط تخالف كتاب الله وسنة رسوله, بعد مقتل الخليفة الثاني، ماذا صنع هذا الرجل العظيم؟ هذا الرجل العظيم, الذي كان يحترق لأن الخلافة ذهبت من يده، يحترق من أجل الله لا من أجل نفسه، يقول: (ولقد تقمّصها أبن أبي قحافة وهو يعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى)، هذا الرجل الذي كان يحترق لأن الخلافة خرجت من يده، لو أن أنساناً يقرأ هذه العبارة وحدها لقال ما أكثر شهوة هذا الرجل إلى السلطان وإلى الخلافة, لكن هذا الرجل نفسه، هذا الرجل بذاته عُرضَت عليه الخلافة، عرضت عليه رئاسة الدنيا, فرفضها, لا لشيء إلا لأنها عُرضَت بشرط يخالف كتاب الله وسنة رسوله، ومن هنا نعرف أن ذلك الاحتراق لم يكن من أجل ذاته، وإنما كان من أجل الله سبحانه وتعالى،
إذن هذه الشجاعة شجاعة البراز في يوم البراز، وشجاعة الصّبر في يوم الصبر، وشجاعة الرفض في يوم الرفض هذه الشجاعة خلقها في قلب علي حُبّه الله، لا اعتقاده بوجود الله هذا الاعتقاد الذي يشاركه فيه فلاسفة الإغريق أيضاً, أرسطو يعتقد بوجود الله, أفلاطون أيضاً يعتقد بوجود الله، الفارابي أيضاً يعتقد بوجود الله, ماذا صنع هؤلاء للبشرية، وماذا صنعوا للدين أو الدنيا، ليس الاعتقاد وإنما حب الله أضافه إلى الاعتقاد, هذا هو الذي صنع هذه المواقف، 

من محاضرة بعنوان "حُبّ الله وحُبّ الدنيا" للفيلسوف الكبير الشهيد السيد محمد باقر الصدر "قدس سره الشريف"